الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: قال ابن عربي: لما نفخ الروح في آدم عطس فقال الحمد للّه فقال اللّه يرحمك اللّه يا آدم فسبقت رحمته غضبه ولذا قدم الرحمة في الفاتحة وأخر ذكر الغضب فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود فسبقت الرحمة إلى آدم قبل العقوبة على أكل الشجرة ثم رحم بعد ذلك فجاءت رحمتان بينهما غضب فتطلب الرحمتان الامتزاج لأنهما مثلان فانضمت هذه إلى هذه فانعدم الغضب بينهما كما قال بعضهم في يسرين بينهما عسر: إذا ضاق عليك الأمر * ففكر في ألم نشرح فعسر بين يسرين * إذا ذكرته فافرح (تتمة) قال ابن المنكدر: إني لأستحي من اللّه أن أرى رحمته تعجز عن أحد من العصاة ولولا النص ورد في المشركين ما أخرجتهم لقوله تعالى - (م عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي. 6027 -(قال اللّه تعالى ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق خلقاً كخلقي) أي ولا أحد أظلم ممن قصد أن يصنع كخلقي وهذا التشبيه لا عموم له يعني كخلقي من بعض الوجوه في فعل الصورة لا من كل وجه واستشكل التعبير بأظلم بأن الكافر أظلم وأجيب بأنه إذا صور الصنم للعبادة كان كافراً فهو هو ويزيد عذابه على سائر الكفار بقبح كفره (فليخلقوا ذرة) [ص 482] بفتح المعجمة وشد الراء نملة صغيرة (أو ليخلقوا حبة) بفتح الحاء أي حبة بر بقرينة ذكر الشعير أو هي أعم (أو ليخلقوا شعيرة) والمراد تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه وأخذ منه مجاهد حرمة تصوير ما لا روح فيه حيث ذكر الشعيرة وهي جماد وخالفه الجمهور استدلالاً بقوله في حديث آخر أحيوا ما خلقتم وفيه نوع من الترقي في الخساسة ونوع من التنزل والإلزام وحكي أنه وقع السؤال عن حكمة الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة فأجاب التقي الشمني بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعوبة والأمر بمعنى التعجيز فناسب الترقي من الأعلى للأدنى فاستحسنه الحافظ ابن حجر وزاد في إكرام الشيخ وإشهار فضيلته. - (حم ق) في اللباس (عن أبي هريرة) قال: دخلت داراً بالمدينة أي لمروان بن الحكم فإذا أعلاها مصور بصور فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره. 6028 - (قال اللّه تعالى لا يأتي ابن آدم) بالنصب مفعول مقدّم وفاعله (النذر) بفتح النون وحكاية عياض ضمها غلط أو خلل من ناسخ (بشيء لم أكن قد قدرته) يعني النذر لا يأتي بشيء غير مقدر (ولكن يلقيه النذر إلى القدر) بالقاف في يلقيه والقدر بفتح القاف ودال مهملة أي إن صح أن القدر هو الذي يلقي ذلك المطلوب ويوجده لا النذر فإنه لا دخل له في ذلك وفي رواية يلقيه بالفاء (وقد قدرته له) أي النذر لا يصنع شيئاً وإنما يلقيه إلى القدر فإن كان قدر وقع وإلا فلا (أستخرج به من البخيل) قال النووي: معناه أنه لا يأتي بهذه القربة تطوعاً مبتدأ بل في مقابلة بنحو شفاء مريض مما علق النذر عليه وقال الزين العراقي: يحتمل أن يريد النذر المالي لأن البخل إنما يستعمل غالباً في البخل بالمال وأن يريد كل عبادة كما في خبر أبخل الناس من بخل بالسلام (فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) يعني أن العبد يؤتي على تحصيل مطلوبه ما لم يكن أتاه من قبل تحصيل مطلوبه ففيه إشارة إلى ذمّ ذلك قال الخطابي: وفي قوله أستخرج إشارة لوجوب الوفاء. - (حم خ ن عن أبي هريرة). 6029 - (قال اللّه تعالى إذا تقرب إليّ العبد) أي طلب قربة مني بالطاعة (شبراً) أي مقداراً قليلاً (تقرّبت إليه ذراعاً) أي أوصلت رحمتي إليه قدراً أزيد منه وكلما زاد العبد قرباً زاده اللّه رحمة (وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً) معروف وهو قدر مد اليدين (وإذا أتى إليّ مشياً أتيته هرولة) وهو الإسراع في المشي أي أوصل إليه رحمتي بسرعة قال النووي: معناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود وقال في المطامح: الذراع والباع والشبر والهرولة ونحوها مقامات وأحوال مختلفة في الإجابة بحسب اختلاف درجات الخلق عند الحق سبحانه وقال القاضي: العبد لا يزال يتقرب إلى اللّه تعالى بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات ويترقى من مقام إلى آخر أعلى منه حتى يحبه فيجعله مستغرقاً بملاحظة جناب قدسه بحيث ما لاحظ شيئاً إلا لاحظ ربه فما التفت إلى حاس ومحسوس وصانع ومصنوع وفاعل ومفعول إلا رأى اللّه وهو آخر درجات السالكين وأول درجات الواصلين. - (خ عن أنس) بن مالك (وعن أبي هريرة هب [ص 483] عن سلمان) الفارسي. 6030 -(قال اللّه تعالى لا ينبغي لعبد) لي من الأنبياء (أن يقول أنا خير) في رواية أنا أفضل (من يونس بن متى) أي من حيث النبوّة فإن الأنبياء فيها سواء وإنما التفاوت في الدرجات ونحوها أو المراد لا ينبغي لعبد بلغ كمال النفس والصبر على الأذى أن يرجح نفسه على يونس لأجل ما حكيت عنه من قلة صبره على أذى قومه لأن تلك أقدار وأمور عارضة لم تخطئه خردلة، ومتى بفتح الميم وشد المثناة مقصور اسم أمه ولم يشتهر بها نبي سواه وقول ابن الأثير وعيسى غير مرضي إذ الشهرة بإحلال أبوين لمن له أبوان. - (م عن أبي هريرة). 6031 - (قال اللّه تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك) قال الطيبي: اسم التفضيل هنا لمجرد الزيادة والإضافة للبيان أو على زعم القوم (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) قال القاضي: المراد بالشركة هنا العمل والواو عاطفة بمعنى مع والضميران لمن أي أجعله وعمله مردوداً من حضرتي والرياء دليل على السفه ورداءة الرأي وسوء الحظ ولقد صدق القائل: يا مبتغي الحمد والثواب * في عمل تبتغي محالا قد خيب اللّه ذا رياء * وأبطل السعي والكلالا من كان يرجو لقاء ربه * أخلص من أجله الفعالا الخلد والنار في يديه * فرائه يعطك النوالا - (م ه عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال المنذري: وإسناد ابن ماجه رواته ثقات. 6032 - (قال اللّه تعالى أنا الرحمن أنا خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي) لأن أصل الرحمة عطف يقتضي الإحسان وهي في حقه تعالى نفس الإحسان أو إرادته فلما كان هو المنفرد بالإحسان التام والإفضال العام وركز في طبع البشر الرقة الحادثة الناشئ عنها الإحسان إلى من يرحم صح اشتقاق أحدهما من الآخر قال ابن العربي: وهذا الحديث يقتضي رعاية الاتفاق في الأسماء وأن ذلك النوع من الإخاء وقد قالوا في المثل: اتفاق الكنى إخاء ثان فإنه تعالى راعى في الرحم اتفاق اسمها مع اسمه في وجه انتظام الحروف الأصلية إذ النون زائدة والرحم مخلوقة محدثة وهو تعالى خالق غير محدث وفيه تنبيه على وهم الملحدة في قولهم هذا نسب بين اللّه وبين الرحم تعالى اللّه عما يقولون إذ جعلوا بينه وبين الرحم والنسب وإنما قالها على سبيل التشريف كما أنه جعل العبد قادراً عالماً إلى آخر الصفات ولم يكن ذلك نسباً ولا تشبيهاً (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) أي من راعى حقوقها راعيت حقه ووفيت ثوابه ومن قصر لها قصرت به في ثوابه ومنزلته (ومن بتها بتته) أي قطعته لأن البت القطع فعطفه على ما قبلها تأكيد والمراد بالرحم التي يجب مواصلتها كل قريب ولو غير محرم كما مر غير مرة. - (حم خ د) في الزكاة (ت) في البر (ك) في البر والصلة (عن عبد الرحمن بن عوف) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي (ك عن أبي هريرة) قال المنذري: في تصحيح الترمذي نظر فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه وبينه تلميذه الهيثمي. [ص 484] 6033 - (قال اللّه تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) أي أنه خاص صفتي فلا يليق إلا بي فالمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي فإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جني عليه ذكره الغزالي. قال الكلاباذي: الرداء عبارة عن الجمال والبهاء والإزار عبارة عن الجلال والستر والحجاب فكأنه قال لا تليق الكبرياء إلا بي لأن من دوني صفات الحدوث لازمة له وسمة العجز ظاهرة عليه والإزار عبارة عن الامتناع عن الإدراك والإحاطة به علماً وكيفية لذاته وصفاته فكأنه قال حجبت خلقي عن إدراك ذاتي وكيفية صفاتي بالجلال والعظمة (فمن نازعني واحداً منهما) أي جاذبني إياه (قذفته) أي رميته وفي رواية أدخلته (في النار) لتشوفه إلى ما لا يليق إلا بالقادر القهار القوي الجبار الغني العلي سبحانه - (حم د ه عن أبي هريرة ه عن ابن عباس) تبع في عزوه لأبي داود الأشبيلي. قال في المنار: ولا أعرفه عند أبي داود وهو عند مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بقريب من هذا اللفظ وهو قوله رداءه. 6034 - (قال اللّه تعالى: الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته) أي أذللته وأهنته أو قربت هلاكه. قال الزمخشري: هذا وارد عن غضب شديد ومناد على سخط عظيم، لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي بين تلازم الأجزاء بخلاف الكسر، وقال القاضي: والكبرياء الكبر وهو الترفع على الغير بأن يرى لنفسه عليه شرفاً، والعظمة كون الشيء في نفسه كاملاً شريفاً مستغنياً فالأوّل أرفع من الثاني إذ هو غاية العظمة فلذا مثله في الرداء، وقيل الكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه إلا الحق فكبرياء ألوهيته التي هي عبارة عن استغنائه عما سواه وعظمة وجوبه الذاتي الذي هو عبارة عن استقلاله واستغنائه ومثلهما بالرداء والإزار إدناء للمتوهم من المشاهد وإبرازاً للمعقول في صورة المحسوس فلما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره لا يشارك الباري في هذين فإنه الكامل المنعم المنفرد بالبقاء وما سواه ناقص محتاج على صدد الفناء - (ك عن أبي هريرة). 6035 - (قال اللّه تعالى: الكبرياء ردائي والعز إزاري من نازعني في شيء منهما عذبته) أي عاقبته، وأصله الضرب ثم استعمل في كل عقوبة، وقال حجة الإسلام: معناه أن العظمة والكبرياء من الصفات التي تختص بي ولا تنبغي لأحد غيري كما أنّ رداء الإنسان وإزاره يختص به لا يشارك فيه، وفيه تحذير شديد من الكبر، ومن آفاته حرمان الحق وعمى القلب عن معرفة آيات اللّه وفهم أحكامه والمقت والبغض من اللّه وأن خصلة تثمر لك المقت من اللّه والخزي في الدنيا والنار في الآخرة، وتقدح في الدين لحريّ أن تتباعد عنها، وقال ابن عربي: عجباً للمتكبر وهو يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات وأن قرصة النملة والبرغوث تؤلمه، والمرحاض يطلبه لدفع ألم البول والحزاة عنه ويفتقر إلى كسرة خبز يدفع بها ألم الجوع عن نفسه فمن صفته هذه كل يوم وليلة كيف يصح أن يدخل قلبه كبرياء ما ذاك إلا للطبع الإلهي على قلبه. - (سمويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) ورواه بنحوه أبو داود وابن ماجه أيضاً. [ص 485] 6036 - (قال اللّه تعالى: أحب عبادي) أي الصوّام (إليّ أعجلهم فطراً) أي أكثرهم تعجيلاً للإفطار إذا تيقن الغروب لما فيه من الانقياد لأمر الشارع وسرعة ائتماره بأمره بمسارعة فطره ولأنه إذا أفطر قبل الصلاة تمكن من أدائها بتوفر خشوع وحضور قلب أو المراد أحب عبادي إليّ من يخالف المبتدعة الزاعمين أن تأخير الفطر لاشتباك النجوم أفضل إذ المراد جميع هذه الأمّة الذين يتدينون بتأخير الفطر أي هي أحب إليّ ممن قبلهم من الأمم والفضل للمتقدم وفيه إشارة إلى تحريم الوصال علينا لاقتضاء الخبر كراهة تأخير الفطر فكيف بتركه. - (حم ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب اهـ. وفيه مسلم بن علي الخشني قال في الميزان: شامي واه، وقال البخاري: منكر الحديث والنسائي: متروك وابن عدي: حديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر. 6037 - (قال اللّه تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) يعني أن حالهم عند اللّه يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم وقال البيضاوي: كل ما يتحلى به الإنسان ويتعاطاه من علم وعمل فإن له عند اللّه تعالى منزلة لا يشاركه فيها من لم يتصف بها وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدراً وأعزّ ذخراً فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون مثل ذلك مضموماً إلى ما له من المراتب الرفيعة الشريفة فذلك معنى قوله يغبطهم النبيون لأن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامّة وتكميل الخاصة إلى غير ذلك من كليات تشغلهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقهم والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة لكنهم إذا رأوا يوم القيامة منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند اللّه ودوا لو كانوا ضامين خصالهم إلى خصالهم فيكونوا جامعين بين الحسنيين فائزين بالمرتبتين هذا من أولى ما قيل في التأويل وأما قول السبكي هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب وأما أولئك فلا بد من سؤالهم عن التبليغ فيغبطون السالم من ذلك التعب لراحته ولا يلزم أن يكون حالة الراحة أفضل تعقبه ابن شهبة بأن المتحابين في مقام الولاية وهي أول درجة النبي قبل النبوة ولا يمكن أن يحصل للولي خصلة ليست للنبي قال: والجواب المرضي عندي أنهم لا يغبطونهم على منابر النور والراحة بل على المحبة فإن المحبة في اللّه محبة للّه وهو مقام يتنافس به فالغبطة على محبة اللّه لا على مواهبه انتهى. - (ت عن معاذ) ابن جبل ورواه الطبراني عن العرباض باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسنادهما جيد ومن ثم رمز المصنف لحسنه. 6038 - (قال اللّه تعالى وجبت) وفي رواية حقت (محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد أبداً مشغولاً في خلوته فإذا دخل إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئاً أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك لأن لمجالسة الخواص أثراً في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم (والمتباذلين فيّ) أي بذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته كما فعل الصديق رضي اللّه عنه ببذل نفسه ليلة الغار وماله حتى تخلل بعباءة لا لغرض من الدنيا ولا لدار القرار (والمتزاورين فيّ) زاد الطبراني في روايته والمتصادقين فيّ وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأناً أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير من أماكنها شوقاً إليه وهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في [ص 486] اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافاً وتلذذاً وشوقاً لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب قال ابن عربي: قد أعطاني اللّه من محبته الحظ الأوفر واللّه إني لأجد من الحب ما لو وضع على السماء لانفطرت وعلى النجوم لانكدرت وعلى الجبال لسيرت والحب على قدر التجلي والتجلي على قدر المعرفة لكن محبة العارف لا أثر لها في الشاهد. - (حم طب ك عن معاذ) بن جبل قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال في الرياض: حديث صحيح وقال المنذري: إسناده صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني وثقوا. 6039 - (قال اللّه تعالى أحب ما تعبدني) بمثناة فوقية أوله بضبط المصنف (به عبدي إليّ) بالتشديد بضبطه (النصح لي) والنصح له وصفه بما هو أهله عقداً أو قولاً والقيام بتعظيمه ظاهراً وباطناُ والرغبة في محابه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وقال الحكيم: النصح للّه أن لا يخلط بالعبودية شأن الأحرار وأفعالهم فيكون في سره وعلنه قد آثر أمر اللّه على هواه وحق اللّه على شهواته فإن خلط فيه ما ليس منه كانت العبودية مغشوشة والغش ضد النصح. - (حم عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال زين الحفاظ في شرح الترمذي بعدما عزاه لأحمد: إسناده ضعيف اهـ. وأعله الهيثمي بأن فيه عبد اللّه بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف. 6040 - (قال اللّه تعالى أيما عبد من عبادي يخرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه) إلى وطنه (إن أرجعته) إليه (بما) أي الذي (أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته) أي توفيته (أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة) لجوده بنفسه وبذله إياها في رضى الذي خلقه. - (حم ن عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته. 6041 - (قال اللّه تعالى) يا محمد (افترضت على أمّتك خمس صلوات) في اليوم والليلة (وعهدت عندي عهداً أنه من حافظ عليهنّ لوقتهنّ أدخلته الجنة) أي مع السابقين الأولين (ومن لم يحافظ عليهنّ فلا عهد له عندي) أخبر عباده أن تقربهم إليه بالعبادة فمن تقرب إليه بالطاعة تقرب اللّه منه بالتوفيق والاستطاعة. تنبيه: قال بعض الكاملين: رضاء اللّه تعالى في فرائضه والتقصير في الفرائض هو الذي أهلك النفوس ونكس الرؤوس فلو أتى بالفرائض على حسب الأمر لكان فيها رضى اللّه وغاية الدرجات. - (ه عن أبي قتادة) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضاً أبو نعيم والديلمي. 6042 - (قال اللّه تعالى إذا بلغ عبدي) أي المؤمن إذ أكثر الأمور الآنية إنما تتأتى فيه (أربعين سنة) وهو أحسن العمر واستكمال الشباب واستجماع القوة (عافيته من البلايا الثلاث من الجنون والبرص والجذام) لأنه عاش في الإسلام عمراً تاماً ليس بعده إلا الإدبار فثبت له من الحرمة ما يدفع به عنه هذه الآفات التي هي من الداء العضال (وإذا بلغ خمسين سنة حاسبته [ص 487] حساباً يسيراً) لأن الخمسين نصف أرذل العمر الذي يرتفع ببلوغه الحساب جملة فببلوغ النصف الأول يخفف حسابه وخفة الحساب في الدنيا ألا ينزع منه البركة ولا يحرمه الطاعة ولا يخذله (وإذا بلغ ستين سنة) وهو عمر التذكر والتوفيق الذي قال اللّه تعالى فيه - (الحكيم) الترمذي (عن عثمان) بن عفان وفيه مجهول وضعيف. 6043 - (قال اللّه تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة) أي شدة وبلاء (في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبله بصبر جميل استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً) أي أترك النصب والنشر ترك من يستحي أن يفعلهما لما مرّ أنه سبحانه إذا وصف بالاستحياء فالمراد به الشيء اللازم لانقباض النفس كما أن المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لعينهما واشترط جمال الصبر في صبره وهو الرضى لأن الصبر ثلاثة صبر الموحدين وصبر المقصرين وصبر المقربين فصبر الموحدين أن لا يسخطوا على ربهم بل صبروا على إيمانهم به وأعملوا جوارحهم في المعاصي وهو صبر ممزوج بالجزع فهو صبر الظالمين لأنفسهم وصبر المقصرين صبر بالقلب والجوارح فرضوا بقلبهم وحفظوا جوارحهم عن العصيان وفي النفس كره فلم يملكوا أكثر من هذا لحياة نفوسهم بالشهوات وصبر المقربين هو الرضى مع غلبة حلاوة التسليم وموت الشهوة فإذا صار العبد إلى هذه الدرجة لا يحاسب ولا يشاحح ويجاد عليه كما جاد بنفسه التي لا شيء عنده أعظم منها فألقاها بين يديه.
|